تاريخ

خير فوارس الأرض وعملاق الفتوحات الإسلامية .. قصة القائد “قتيبة بن مسلم الباهلي” فاتح بخارى وسمرقند

خير فوارس الأرض وعملاق الفتوحات الإسلامية .. قصة القائد “قتيبة بن مسلم الباهلي” فاتح بخارى وسمرقند

ايفا بوست – فريق التحرير

يعتبر “قتيبة بن مسلم الباهلي”، واحدا من أعظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، وكانت قبيلة باهلة التي ينتمي إليها هذا القائد الفذ مغمورة لايلتفت إليها.

لكن بعد أن صال قتيبة وجال وسجل اسمه في التاريخ الإسلامي بحروف من ذهب دخلت قبيلة باهلة دائرة الشهرة بفضل فتوحات ابنها العملاق قتيبة الذي كان يقترب كثيرا من سيف الله خالد بن الوليد في موهبته العسكرية.

تسلم “قتيبة بن مسلم الباهلي” قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم خراسان وبلاد الشرق “سنة 85هـ” وظل واليا عليها إلى سنة “99هـ”.

القئد المسلم قتيبة بن مسلم

كانت الدولة الأموية عندئذ في أحسن حالاتها استقرارا وهدوءا وثراء عريضا، فاجتمع لقتيبة مهارة القائد.

وعزم الوالي “الحجاج بن يوسف الثقفي” وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها، فكانت فتوحاته العظيمة في بلاد “ما وراء النهر”.

ولم يكن قتيبة بن مسلم رحمه الله قائدا عسكريا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك رجل دولة، وصانع سياسة، وواضع نظم وإدارة.

فعمل بعد تسلمه أمور الولاية على القـ.ـضاء على الخـ.ـلافات العصبية التي كانت تعصف بالقبائل العربية في “خراسان”، من جراء التنافس على الولايات.

وجمع زعماءهم على كلمة واحدة تحت الجهاد، كما أنه عمل على كسب ثقة أهل “خراسان” الأصليين، فأحسن إليهم، وقربهم، وعهد إليهم بالوظائف، فاطمأن الجميع إليه، ووثقوا به وبقيادته.

سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب الذين تولوا خراسان قبل ذلك، وعلي رأسهم عميد الأسرة وقائدها الفذ المهلب بن أبي صفر الذي دوخ الخوارج وفعل بهم الأفاعيل.

وهي خطة الضـ.ـربات السريعة المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجميع، غير أنه امتاز عليهم بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة، ويحدد لها وجهة معينة.

ويجتهد في الوصول إلى ما يقصده، غير عابئ بالمصـ.ـاعب، معتمدا على الله عز وجل، ثم على بسالته النادرة، وروح القيادة التي امتاز بها، وإيمانه العميق بالإسلام.

ولقد مرت خطوات قتيبة بن مسلم في فتح بلاد ما وراء النهر، على مدى عشر سنوات “86-96هـ”- عبر مراحل أربع،

حقق في كل منها فتح ناحية واسعة فتحا نهائيا، وثبت أقدام المسلمين والإسلام فيها وهذه المراحل هي:

صفات وأخلاق “قتيبة بن مسلم الباهلي”

قتيبة بن مسلم من الأبطال ذوي الحزم والدهاء والرأي، وكان ذا بأس وشدة، عالي الهمة جريء اللسان.

وله رواية عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، وقال عنه ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”:

“إنه ما انكسـ.ـرت له راية، وكان من المجـ.ـاهدين في سبيل الله واجتمع له من العسكر ما لم يجتمع لغيره.

ويذكر أيضًا ابن كثير أن قتيبة: من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النجباء الكبراء، وذوي الحـ.ـروب والفتوحات.

والآراء الحميدة”، وكان لا يبغي بجـ.ـهاده سوى نصرة الدين ولا يريد من الدنيا شيئًا.

ومن القصص التي أوردها ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ” وتدل على إيمانه بالله وتوكله عليه، عندما فتح قتيبة بن مسلم مدينة سمرقند.
اشترط على أهلها شرطين أما الأول: فهو أن يبني في المدينة مسجدًا لله ويضع فيه منبرًا، ويصلي فيه ويخطب على المنبر.

أما الشرط الثاني وهو أن يحطم أصنام المدينة وأوثانها، وبالفعل نفذ الشرطان.
فلما أخذ الأصنام ألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت مثل الجبل الكبير ثم أمر بإحراقها، فتصـ.ـارخ أهل المدينة وبكوا.

وقال الكفار: “إن فيها أصنامًا قديمة من أحـ.ـرقها هلك”، وجاء ملك المدينة واسمه “غورك”، وقال لقتيبة: “إني لك ناصح لا تحـ.ـرقها فيصـ.ـيبك الأذى”.

فقال قتيبة: “أنا أحرقها بيدي فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون”، ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النـ.ـار فاحتـ.ـرقت كلها.

وأورد الدكتور محمد علي الصلابي بعض أقوال قتيبة المأثورة في كتابه الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار:

ملاك الأمر في السلطان: الشدة على المذنب، واللين للمحسن، وكان يقول: الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفُرقة، وإن كانت الجماعة لا تخطئ والفرقة لا تصيب.

المرحلة الأولى “86-87هـ”

وفيها أخضع “قتيبة بن مسلم” إقليم “طخارستان” الواقع على ضفتي نهر “جيحون”، ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين تماما منذ أن فتحه الأحنف بن قيس في خلافة عثمان بن عفان.

وكانت تلك بداية ناجحة من قتيبة؛ فبدون توكيد أقدامه في “طخارستان” لم يكن ممكنا أن يمضي لفتح “ما وراء النهر”.وقد أصبح يتمتع بهيبة كبيرة في تلك البلاد، فما إن يسمع الملوك بمسيره إليهم حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح.

المرحلة الثانية “87-90هـ”

وفيها فتح “قتيبة” إقليم “بخارى” كله بعد حـ.ـروب طاحنة وانتظام حملاته عليها.فتح بخارى وسمرقند

المرحلة الثالثة “91-93هـ”

وفيها أكمل فتح حوض جيحون” كله وأتم فتح “سجستان” “92هـ”، وإقليم “خوارزم” “933هـ”، وتوج عمله بالاستـ.ـيلاء على “سمرقند” أعظم مدن ما وراء النهر كلها.

ومن جميل ما يروى في فتح سمرقند أن المسلمين حينما دخلوها أخرجوا ما فيها من الأصنام وأحـ.ـرقوها.

وكان أهل سمرقند يعتقدون أن من استخف بها هلك، فلما أحرقها المسلمون ولم يصـ.ـابوا بأذى أسلم من أهلها خلق كثير.

المرحلة الرابعة “94-96هـ”

وفيها عبر قتيبة “نهر سيحون”، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: “الشاش” و”أشروسنة” و”فرغانة” ثم دخل أرض الصين، وأوغل في مقاطة “سنكيانج”.

ووصل إلى إقليم “كاشغر” وجعلها قاعدة إسلامية، وتهيأ لفتح الصين لولا أن وفاة “الحجاج بن يوسف الثقفي” “95هـ”، والخليفة “الوليد بن عبد الملك” “96هـ” جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك الصين على دفع الجزية.

ثلاث ملاحظات جديرة بالتسجيل حول فتوحات قتيبة بن مسلم

1- لقد كان أهل هذه البلاد جاهلين بحقيقة الإسلام، وتصوروا أن المسلمين إنما جاءوا للاستـ.ـيلاء على خيرات بلادهم، الأمر الذي جعلهم يقاومون بشراسة.

لكنهم لما عرفوا أن المسلمين ليسوا غـ.ـزاة، وإنما هداة يحملون إليهم الإسلام أقبلوا على اعتناقه والإيمان بمبادئه.

يقول المستشرق المجري “أرمينوس فامبري”: “إن بخارى التي قاموت العرب في البداية مقاومة عنـ.ـيفة قد فتحت لهم أبوابا لتستقبلهم ومعهم تعاليم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

تلك التعاليم التي قوبلت أول الأمر بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم عليها بعد ذلك في غيرة شديدة حتى لنري الإسلام.

الذي أخذ شأنه يضعف اليوم في جهات آسيا الأخرى، وقد غدا في بخارى اليوم “1873م” على الصورة التي كان عليها أيام “الخلفاء الراشدين”.
2- كان السكان في هذه المناطق يرضون بالصلح أو يعتنقون الإسلام ظاهريا في بداية الأمر كما أسلفنا، وما إن ينصرف الجند المسلمون حتى ينقضوا العهد أو يرتدوا عن الإلام.

وهذا يظهر بوضوح مدى منطقية مفهوم “عقبة بن نافع”، فاتح إفريقية ومؤسس مدينة القيروان فيها، بضرورة أن يكون الفتح معنويان، وليس عسكريا.

فالفتح المعنوي يحتاج إلى وجود مسلمين مقيمين في المنطقة بعد فتحها يفتحون القلوب بالإيمان والعلم.

أما الفتح العسكري فيتم بواسطة الجند الذين يرتحلون بعد نجاح المهمة العسكرية فلا يحققون شيئا في الواقع إلا فتح الأرض التي تنقض عليهم فور انسـ.ـحابهم.

لا شك أن قيادة “قتيبة بن مسلم” الفذة وخططه العسكرية المحكمة، ودعم القيادة العليا له، ممثلة بالحجاج في العراق، والخليفة عبد الملك، ثم ابنه الوليد في الشام.

إضافة إلى ما كان من طاقات إيمانية عند الجند: جعل النصر حليف المسلمين في هذا الميدان، وقد ساعد ذلك، مع المعاملة الطيبة لأهل البلاد، على تحويل المنطقة إلى دار إسلام.

وفاة القائد المسلم قتيبة بن مسلم

كان قتيبة بن مسلم كما ذكر من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج.

فلما ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقـ.ـامه؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان بن عبد الملك.

فجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته، لكن حركته فشـ.ـلت وانتهت بقـ.ـتله سنة 96هـ / 715م على يد أحد العبيد في بلد اسمها فرغانة سنة 96هـ.

ويرى ابن كثير في ذلك زلة كان فيها حتـ.ـفه ومقـ.ـتله، حيث فارق الجماعة.

بلاد ما وراء النهر بعد وفاة قتيبة بن مسلم

وبوفاة “قتيبة بن مسلم” توقفت فتوحات المسلمين على هذه الجـ.ـبهة عند الحد الذي تركها هو عليه، ذلك أنه لما تولى “يزيد بن المهلب بن أبي صفرة” على خراسان.

ولاه عليها الخليفة سليمان بن عبد الملك سنة “97هـ”- وجه همه إلى فتح “جرجان” و”طبرستان”، ولم يكن المسلمون قد وطأوا أيهما من قبل.

وذلك حتى يحقق فتحا يغبط سليمان كما كانت نجاحات “قتيبة” تغبط الوليد، ولقد استطاع “يزيد” أن يفتح “جرجان” بالفعل صلحا، ثم توجه إلى “طبرستان”.

ولكنه هناك، فنقض أهل “جرجان” عهدهم، فعاد وحـ.ـاربهم وفتحها هذه المرة عنوة.

ولقد ظل الجهاد والاستعداد للغـ.ـزو قائما في هذا الجانب من العالم إلى نهاية حكم بني أمية.
ومما يلاحظ في هذا الميدان أن الترك الذين ظلوا ينزلون خارج دائرة سلطان المسلمين من بلاد ما وراء النهر.

كانوا بعد فتوحات قتيبة بن مسلم، لا ينفكون يهجـ.ـمون على المناطق التي دخلت في سلطان المسلمين، ويحرضون أهلها على الثورة والعصـ.ـيان، فكان المسلمون يقومون بإخضـ.ـاعهم وإعادة البلاد إلى الطاعة.

ولا شك أن هذا الميدان كان من أشد الميادين قتـ.ـالا، ولم يكن دار حـ.ـرب أشد من بلاد الترك، ولكنها تحولت بعد الجهود المتوالية إلى دار إسلام.

وأصبحت في فترة تالية كعبة العلم والعلماء، ونشأت فيها مراكز علمية وحضارية مثل: بخارى، وبلخ، وسمرقند، ونيسابور، وهراة، ومرو، والري، وجرجان، وسرخس، وطبرستان، وغيرها.

وخرجت هذه المدن عددا هائلا من العلماء استضاءت بهم الأمة، وملأت أسماؤهم سمع الدنيا وبصرها.

واليوم تتوزع هذه البلاد بين إيران وأفغانستان، أما الجزء الأكبر منها فيقع في الجمهوريات الإسلامية الخمسة في آسيا الوسطى” قازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقيرغيزيا”.

حسام تحسين بيك يكشف عن أجمل ذكرى بحياته.. وهذا ما نصح جميع الأطفال به!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى