تاريخ

لُقب بالناصر وقضـ.ـى على الدولة الفاطمية .. قصة “صلاح الدين الأيوبي” الذي أعاد بيت المقدس للمسلمين

لُقب بالناصر وقضـ.ـى على الدولة الفاطمية .. قصة “صلاح الدين الأيوبي” الذي أعاد بيت المقدس للمسلمين

ايفا بوست – فريق التحرير

ينتمي صلاح الدين الأيوبي لعائلة كردية, تعد من أشراف الكرد نسباً, وتعرف بالعشيرة الروادية, وتنحدر من بلدة دوين عند آخر حدود أذربيجان.

واسمه الكامل: يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الذويني التكريتي, ولد عام 532 للهجرة, وتوفي عام 589 هجرية.

ينسب الأيوبيون إلى أيوب بن شادي, ويعتبرون من أشراف الأكراد, لأنهم لم يجر على أحد منهم رق كما قال عنهم ابن الأثير.

والد صلاح الدين “نجم الدين أيوب” وعمه “أسد الدين شيركوه” عندما أتيا إلى بلاد الشام لم يكونا من الرعاة, بل امتلكا درجة عالية من الخبرة بالشؤون السياسية والإدارية.

بدايات ظهور الأسرة الأيوبية

وضح ظهور الأسرة الايوبية في العالم الإسلامي منذ القرن السادس للهجرة مع تولي جدهم الأكبر شادي بعض الوظائف الإدارية في قلعة تكريت.

تدرج شادي وهو جد صلاح الدين في المناصب الإدارية, حتى تولى وظيفة الشحنة, وحين وفاته تولى ابنه نجم الدين أيوب مكانه.

خدم نجم الدين السلطان السلجوقي “محمد بن ملكشاه” ليوليه قلعة تكريت لما رأى منه أمانة وعقلاً وشهامة

فأحسن فيها وضبطها أيما ضبط وأجلى عنها المفسدين.

بالمقابل كان أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين من الامراء المقدمين عند السلاجقة, والذين أقطعوه إقطاعا كبيرا في تكريت بلغ قرابة ألف دينار سنويا.

ولادة الناصر صلاح الدين:

ولد صلاح الدين الأيوبي في عام 532 للهجرة , الموافق 1137م في قلعة تكريت وهي بلدة قديمة تحوي قلعة حصينة مطلة على نهر دجلة.

من المصادفة العجيبة أن يوم ولادة صلاح الدين صادفت خروج والده نجم الدين وعمه شيركوه من مدينة تكريت بأمر من والي بغداد “مجاهد الدين بهروز”.

مجاهد أمر نجم الدين وشيركوه بالمغادرة بسبب قـ.ـتـ.ـل شيركوه لأحد قواد القلعة الذ آذى امرأة في شرفها لتستغيث المرأة بعم صلاح الدين الذي أجابها انتقاما لشرف المرأة.

خرج الرجلان من تكريت يقصدان الموصل ومعهما أسرتيهما وفي رحل نجم الدين ابنه الطفل صلاح الدين في يومه الأول.

تشاؤم نجم الدين بابنه والتفكير بقتله:

تشاءم نجم الدين بمولوده صلاح كما ذكر صاحب وفيات الأعيان, بل إنه هم بقـ.ـتله عند صياحه أثناء خروجهم من تكريت لولا تحذير أحد أعيانه من هذا العمل الجاهلي.

الولي قال لنجم الدين “ما يدريك أن يكون هذا الطفل ملكا عظيم الصيت, جليل المقدار, ولعل الله جاعل له شأنا فاستبقه

فهو طفل ليس له ذنب, ولا يعرف ما أنت فيه من الغم”.

كلمات أثرت بنفس نجم الدين وسرعان ما عاد لجادة الحق والصواب وتاب إلى رشده وعقله, متبعاً طريق الإسلام الصحيح.

نشأة الناصر صلاح الدين:

وصل نجم الدين وأخاه شيركو رفقة صلاح الدين إلى الموصل, حيث نزلا بضيافة عماد الدين زنكي

والذي أجزل لهم بالعطايا وأحسن ضيافتهما, مكافأة لهما على إنقاذه من القتل سابقا.

منح عماد الدين كلاً من نجم الدين وأخاه شيركو قطعة أرض ليعيشا فيها معززين مكرمين

لتتطور الأسرة الأيوبية في رحاب إمارة عماد الدين, حيث بات نجم الدين وشيركو من خيرة القادة.

حياة صلاح الدين في دمشق:

عقب مقتل عماد الدين بات نور الدين صاحب اليد الطولى, بمساعدة من الأيوبيين ليضم دمشق إلى ملكه وإليها انتقل صلاح الدين الأيوبي.

تلقى صلاح الدين في دمشق العلوم الإسلامية وتعلم فنون الصيد والفروسية والقتال, وأتقن مهارة رمي السهام, وغيرها من مهارات الحرب والقتال.

الناصر في بعلبك وأولى مواجهاته مع الصليبيين:

عندما فتح نور الدين بعلبك, تولى نجم الدين ولايتها, ليقوم والي دمشق مجير الدين بحصار نجم الدين أيوب في بعلبك

وعقب حصار طويل تم الصلح بين الطرفين.

لينتقل صلاح الدين إلى بعلبك حيث عاش في بعلبك عام 534 للهجرة, حيث كان شاهدا وقتها على اعتـ.ـداءات الصليبيين على بلاد العالم الإسلامي.

لما أقدم الصليبيون على مهـ.ـاجمة سهل البقاع القريب من بعلبك سنة 546 للهجرة

تصدى لهم نجم الدين ومعه أخوه شيركوه ليتمكنوا من هزيمة الصليبيين وأخذ عدد منهم أسارى.

فطنة نور الدين لقدرات صلاح الدين:

في ذات العام لازم صلاح الدين عمه أسد الدين شيركو لخدمته, وكان شيركو مرافقا لنور الدين الذي حكم الأيوبيين عقب مقتل والده.

أدرك نور الدين قدرات صلاح الدين العسكرية وحتى الإدارية, ليعول عليه في كثير من أموره

فكلفه بالذهاب إلى عمه لاستشارته في قضايا تخص الدولة والضمانات.

اهتم نور الدين بمشاورة كبار قادته ومنهم صلاح الدين, فنال وظيفة تدعى في أيامنا: كاتم الأسرار وضابط الركن الشخصي لنور الدين.

مناصبه في دمشق:

استلم صلاح الدين في عهد نور الدين منصب رئاسة الشرطة, فاستطاع بحنكة أن يطهر دمشق من اللصوص

ويعيد الامن والاستقرار إليها, حتى أمن الناس على أنفسهم وأموالهم.

صلاح الدين إلى مصر:

أرسل نور الدين جيشا إلى مصر بقيادة شيركوه عم صلاح الدين الذي أخذه معه نصرة للوزير الفاطمي شاور الذي استنجد بهم

ليكون صلاح الدين بمقدمة الجيش عام 559 هجرية.

برزت قدرة صلاح الدين في معركة بصحراء الجيزة, ضد الفرنجة حيث تمكن من هـ.ـزيمة جيش الفرنجة

واستطاع صلاح الدين أسر أحد قادة الجيش الصليبي وهو صاحب قيسارية.

فتح دمشق:

بعد وفاة نور الدين وتولي ابنه الصالح إسماعيل إمارة دمشق, وقع أمام صلاح الدين خياران

إما مهـ.ـاجمة الصليبيين في مصر أو الانتظار حتى يستنجد به الملك الصالح.

اختلفت الأحوال بدمشق فنقل الصالح إلى حلب وعين سعد الدولة أمير المدينة وصيا عليه

والذي طمع بتوسيع نفوذه, ليراسل أمير المدينة شمس الدين صلاح الدين طالبا نجدته.

تجهز صلاح الدين بجيش قوامه 700 فارس عبر بهم الكرك إلى بصرى لينضم إليه مئات العرب والكرد

ليدخل دمشق في عام 570 هجرية, وسط فرحة الدمشقيين به.

فتوحات الشام:

ولى صلاح الدين أخاه سيف الإسلام على دمشق وانطلق لضم باقي مدن الشام وتوحيدها, ليغنم حماة بسهولة, وعدل عن حصار حمص لأسوارها المنيعة.

حول صلاح الدين أنظاره إلى حلب, ورفض الصالح إسماعيل تسليمها بتحريض من كمشتكين

بعد كلمة من الصالح أثرت بنفوس العامة ألا يسلموا المدينة إلى جيش غاز.

محاولة قتل صلاح الدين:

أرسل كمشتكين لشيخ الحشاشين رشيد الدين سنان والذي كان يبغض صلاح الدين أشد البغض لإسقاط الدولة الفاطمية, للاتفاق على قتل صلاح الدين داخل معسكره.

أرسل رشيد الدين كتيبة من ثلاثة عشر حشاشا تغلغلوا وسط المعسكر, وحاولوا التوجه لخيمة صلاح الدين

إلا أن أمرهم انفضح ليقتلوا على يد قادة صلاح الدين.

حملات صليبية وأخرى داخلية:

تراجع ريموند الثالث حاكم طرابلس عن مهـ.ـاجمة حمص عقب إرسال صلاح الدين فرقة عسكرية كبيرة انضمت إلى حامية المدينة.

أطلق أعداء صلاح الدين اتهامات له بنسيان أصله وأنه خادم ناطر للمعروف لا يؤتمن على شيء

وقد خان سيده ومولاه ونفى ولده من بلاد أبيه لبلاد أخرى.

رد صلاح الدين على الاتهامات بأنه لم يحاصر حلب أو يحضر إلى الشام إلا لحماية دار المسلمين من الجيوش الصليبية ولاستعادة الأراضي المقدسة منهم.

صلاح الدين الأيوبي ملكاً:

علم سيف الدين حاكم الموصل بعظم شان صلاح الدين فأرسل جيشا كبيرا ومعه أخاه عز الدين

, فلما علم صلاح الدين فك الحصار عن حلب وخرج إليهم حتى التقوا قرب حماة.

حاول صلاح الدين صلعهم, فلما أبوا التقى الجمعان قرب نهر العاصي هزم فيها الزنكيون على يد صلاح الدين سنة 570 هجرية.

ليعود إلى حلب حيث صالحه الزنكيون على معرة النعمان وكفر طاب وبارين.

أعلن صلاح الدين نفسه ملكا على البلاد التي فتحها وخطب له أئمة المساجد وضربت الدنانير الذهبية في القاهرة باسمه

وتزوج من أرملة نور الدين عصمة الدين خاتون, وسماه الخليفة العباسي “سلطان مصر والشام”.

محاولة ثانية لقتل صلاح الدين الأيوبي

سار صلاح الدين نحو حلب لحصارها ثانية, حيث فتح بطريقه حصن بزاعة ومنبج ومن ثم حاصر اعزاز لضمها, وهنا حاول بعض الحشاشين المندسين قتل صلاح الدين.

تمكن أحدهم من الوصول لخيمته وضرب صلاح الدين بسكين إلا أن الخوذة حمت رأسه حتى تمكن صلاح الدين من قتـ.ـله

مما أثر بنفس صلاح الدين الذي عزم على قتل كمشتكين أكير حلب.

هدنة حلب:

عقب افتتاح حصن اعزاز حول صلاح الدين أنظاره لحلب وحاصرها ثانية, ليلقى مقاومة شديدة منعته من اقتـ.ـحامها ليفرض هدنة على كمشتكين والملك الصالح.

نصت الهدنة على احتفاظ الزنكيين بحلب مقابل اعترافهم بسلطة صلاح الدين على كامل الأراضي التي أخضعها.

حروبه مع الصليبيين:

نقض أرناط وهو حاكم الكرك على قافلة تجارية لصلاح الدين سنة 582 هجرية في نقض للاتفاق الذي ينص على القوافل الإسلامية المرور بين الشام ومصر في سلام.

كان هذا الاعتداء هو الشرارة الأولى لاندلاع الحـ.ـروب التي شنها صلاح الدين ضد الصفويين والتي ذاع بعدها اسم صلاح الدين بأنحاء أوروبا قاطبة.

أعد صلاح الدين العدة وجمع الجيوش للانتـ.ـقام من الفرنجة ولاسترداد بيت المقدس ليخرج الجيش عام 583 للهجرة وسط دعوات المسلمين له بالنصر.

خرج صلاح الدين من دمشق ليكمل إلى بصرى ومنها إلى حصن الكرك والشوبك ثم عاد إلى طبريا

وهو يستنهض همم جنوده, وهو يقول “كيف يطيب لي الفرح وبيت المقدس بأيدي الصليبيين”.

أيقن الصليبيون الخطر المحدق بهم فحشدوا جموعهم وتوجهوا نحو طبريا والتقى الجمعان هناك في مكان يسمى حطين, وهناك قطع صلاح الدين الماء عن الصليبيين.

هاجم المسلمون جيوش الصليبيين بشد لتفر جموعهم نحو تلال حطين, قبل انهزامهم شر هزيمة, فبلغ عدد قتلاهم عشرة آلاف قتـ.ـيل وسقط أسقف عكا قتيـ.ـلا.

أيقن بعدها الصليبيون بالقتل والهلاك وزحف نحوهم المسلمون يعملون بهم قتلا

وأسرا حتى بقي مع ملك بيت المقدس و أرناط 150 فارسا فقط ليتمكن المسلمون من أسره.

أحضر الملك “جاي لوزجنان” وصاحب الكرك أرناط فأجلسهما صلاح الدين بخيمته وقد نال منهما العطش فأحضر له ماء مثلوجا ليشربه.

أبر السلطان صلاح الدين بوعده وقتل أرناط, وعند ذلك رعب الملك فطيب صلاح الدين خاطره

قائلا له “لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك, وأما هذا فقد تجاوز حده, ثم أرسل بكل حفاوة وتكريم إلى دمشق.

توجه عقب انتصاره إلى عكا فاستسلم من بداخلها بأمان وهرب الصليبيون نحو صور, ثم فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل وضرب حصارا على عسقلان انتهى بفتحها.

بذلك نصب صلاح الدين حصارا على القدس ومنع عنها الامدادات التي كانت ترد إليها من الساحل ليتوجه نحو بيت المقدس عقب استلام الرملة وغزة وغيرها.

فتح بيت المقدس:

أراد صلاح الدين ألا يمس بيت المقدس بأي سوء وان يدخلها صلحاً, فأرسل لأهلها يطلب منهم التسليم وفق شروط وضعها.

قال لهم “إني على اعتقاد دائم بأن بيت المقدس هي بيت الله وليس في عزمي أن أتعرض لبيت الله بأذى الحصار أو ضرر الهجوم”.

رفض الصليبيون طلب صلاح الدين, فصمم على الاستيلاء على المدينة بالحرب, وعقب أسبوع واحد من المقاومة تمكن صلاح الدين من فرض الاستلام على المدينة.

تم الاتفاق على السماح بالخروج لمن أراد في مدة أربعين يوما, يدفع الرجل منهم عشرة دنانير, والمرأة خمسة, والولد ديناران, ومن لم يستطع فهو أسير”.

بدأ السكان بجمع متاعهم والاستعداد للخروج يوم 27 رجب عام 583 للهجرة, من حيث أمرهم السلطان حيث أقام العمال لتسلم الفدية منهم.

عامل صلاح الدين أهل القدس معاملة طيبة ودفع من حر ماله من لم يملك فداء نفسه وأمر لكبار السن بالدواب تحملهم.

هدنة صلاح الدين وريتشارد:

استمرت المعارك بين صلاح الدين والصليبيين وحاولوا الاقتراب من بيت المقدس حتى باتوا مرة على أبوابها

دون تمكنهم من ذلك, ولم يتمكن صلاح الدين من طردهم.

وجدت رغبة لدى الجانبين في عقد هدنة وصلح, ليتم ذلك عام 588 للهجرة, في الرملة حيث نصت الهدنة على عدة بنود.

منها أن يستقر الصليبيون في الشريط الساحلي الممتد من صور إلى حيفا

وأن يسمح للنصارى بزيارة بيت المقدس دون ضريبة يدفعونها, وأن تقع هدنة بين الطرفين مدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر.

بهذا انتهت الحملة الصليبية وعاد ريتشارد “قلب الأسد” إلى بلاده مكتسبا شهرة واسعة كألمع شخصية في الحملة الصليبية الثالثة.

خاتمة صلاح الدين الأيوبي

لما تم الصلح توجه صلاح الدين إلى بين المقدس متفقداً أحوال الناس, فبنى المدارس وأنشئ المستشفيات, ورحل منها نحو جبهات الساحل متفقدا حصونهم.

عاد بعدها صلاح الدين إلى دمشق ففرح الناس بقدومه وأغلقوا أعمالهم احتفالا به, ليشرع في تنظيم شؤون البلاد وتوزيع الأموال على المستحقين.

بقي صلاح الدين في دمشق حتى أصابته حمى صفراوية واشتد به المرض

وقد وصل الخبر لأهالي دمشق الذين تجمعوا حول قلعة دمشق للاطمئنان على صحته.

وفي اليوم الثاني عشر لمرض صلاح الدين عام 589 للهجرة ساءت حالة صلاح الدين, فاستحضر أحد المقرئين ليقرأ له القرآن .

وصل القارئ لقوله ” لا إله إلا هو عليه توكلت” فتبسم وجه صلاح الدين وتهلل وأسلم الروح يوم السابع والعشرين من شهر صفر 589ه.

وقع نبأ موت صلاح الدين كالصاعقة على الناس, ليدفن صلاح الدين قرب الجامع الاموي, حيث نصب له العزاء ثلاثة أيام داخل الجامع.

مات صلاح الدين وعمره 57 عاما, لم يترك في خزينته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما, وديناراً واحداً, ولم يخلف ملكا ولا عقاراً.

رثاء الشعراء بعد موته:

رثاه العديد من الشعراء وفيه كتب الشاعر الأصبهاني:

شمل الهدى والملك عم شتاته     والدهر ساء وأقلعت حسناته

أين الذي كان له طاعاتنا             مبذولة ولربه طاعاته

بالله أين الناصر الملك               الذي لله خالصة صفت نياته

أين الذي مازال سلطانا لنا      يرجى نداه وتتقى سطواته

جميع الأمهات تحلم بجعل طفلها قوي الشخصية .. إليك بعض النصائح التي ستساعدك في تحقيق حلمك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى