تاريخ

حاذق وغريب الأطوار، جني في صورة إنسان .. قصة الشاعر “ديك الجن” أسطورة حمص والعاصي وحكايته مع شمس القصور

حاذق وغريب الأطوار، جني في صورة إنسان .. قصة الشاعر “ديك الجن” أسطورة حمص والعاصي وحكايته مع شمس القصور

ايفا بوست – فريق التحرير

لم ترتبط مدينة في العالم باسم شاعر كما ارتبطت مدينة حمص، باسم شاعرها “عبد السلام بن رغبان”، أو “ديك الجن الحمصي”.

والذي صنع من حياته وشعره أسطورة عربية ترددّت أصداؤها في كل الأمكنة والأزمنة.

وكانت الشخصية القلقة لهذا الشاعر مثار الكثير من الأقاويل والحكايات والقصص لغرابة أطوارها وتناقضاتها السيكولوجية.

وربما كان الوصف الذي أطلقه (ديك الجن) على نفسه وهو (جنيّ في صورة إنسان) هو الوصف الأدق لهذه الشخصية المميزة الغامضة والمحيرة إلى أبعد حدود الحيرة.

فقد عاش (ديك الجن) حياة لا تعرف المهادنة أو الحلول الوسط، بل تعج بالمتـ.ـناقضات، فمع حدة طباعه ونزقه كان شاعراً رقيقاً مبدعاً.

لكنه أيضاً هجّاء سليط اللسان فور المساس به، ومع اضطـ.ـرابه وقلقه نراه العاشق المتيم الرومانسي، لكنه قـ.ـاتل لمن يحب لمجرد الشك فيه.

الشاعر العربي عبد السلام بن رغبان؟! أو كما لقّبَ نفسه بـ ديك الجن ؟! شاعر مميز اشتهر بزمانه بين العرب.

وكان له قصصٍ وحكاياتٍ غريبة فشخصيته المتقلبة والغريبة جعلته يستحق لقبه ديك الجن!

لمحة عن حياة الشاعر العربي ديك الجن

ولد ديك الجن الحمصي في مدينة حمص عام 161-235 هـ /777-849 م، أصله من السلمية وهو من قبيلة تميم، كان جده الأعلى قد أسلم على يد حبيب بن سلمى الفهري.

اشتهر بين شعراء حمص ولكنه كان ذو طبعٍ غريبٍ وفريد، حيث كان يحيّر كل من حوله فهو محبٌ وعاشقٌ رومانسي ولكنه أيضاً قد يقـ.ـتـ.ـل حبيبه عند الشك به.!

وكان ذو طباعٍ حادة وذو إبداع كبيرٍ مع رقةٍ مميزة، وبالمقابل كان ذو لسانٍ سليط إن مسه أحدٌ بسوء.

وهكذا كان لقب ديك الجن لقباً لائقاً عليه كجني في صورة إنسان!

وكانت مدينة حمص قد اشتهرت وتعلّقت بهذا الشاعر حيث صوّرت له لهوه وأنسه وخاصةً على ضفاف العاصي.

فلم يكن شاعراً عادياً من شعراء حمص بل كانت له قصةٌ مختلفة.
ويُقال بأنه عاش كل حياته في مدينة حمص، موجوداً فيها بين مكانين إما منزله الذي يقع في حي باب الدريب الحالي جنوب شرق المدينة القديمة، وإما في منتزه الميماس على نهر العاصي.

قصته مع الشاعر أبو النواس

كل التـ.ـناقضات الغريبة في حياة ديك الجن لم تُقصه عن أن يحتـ.ـل مكانة مرموقة بين شعراء عصره، وعلى الرغم من أنه –كما قيل– لم يغادر مدينته (حمص) إلا في حالات نادرة.

ولم يقصد بلاطات الخلفاء والأمراء مادحاً، فإن شهرته تجاوزت حمص وعمّت كل بلاد الشام والعراق ومصر.
وكان بيت ديك الجن في حمص الذي يقع في حي يسمى اليوم باب الدريب مقصداً لكبار شعراء عصره.

فقد زاره (دعبل الخزاعي) وقال عنه: “إنه أشعر الجن والأنس”، كما زاره “أبو النواس” وهو في طريقه إلى (مصر)، وله معه قصة طريفة.

حيث يُروى أن أبا النواس عندما اجتاز “حمص” قاصداً مصر لامتداح الخصيب، وسمع ديك الجن بوصوله فاختبأ خشية أن يرى فيه أبو النواس قصوراً.

فقصده هذا في داره وطرق الباب، فقالت له الجارية: “إن سيدها ليس في المنزل”.

فعرف أبو النواس الدسيسة فقال لها: “قولي له اخرج فقد فتنت أهل العراق بقولك:

مورَّدة من كف ظبي كأنما .. تناولها في خده فأدارها

فلما سمع ذلك خرج إليه، وأضافه أياماً معدودات، وكان أبا تمام وهو مَنْ هو في مسيرة الشعر العربي واحداً من تلاميذ (ديك الجن) النجباء.

طّور مذهب أستاذه صاحب المدرسة الشامية في قول الشعر ليصبح بدوره أهم علم من أعلام البديع.

قصته المشهورة مع شمس القصور

كان له شعراً مشهوراً له قصة قد تفاجئك، فقد كان الشاعر المشهور في مدينة حمص قد وقع في حب جارية نصرانية وكانت تسمى بـ”ورد بنت الناعمة”، وقد أُغرم بها أشد الغرام

حتى حال به الأمر بأن يدعوها إلى الإسلام ليتزوجها فوافقت على ذلك، وكان من شعره بها :

أنظر إلى شمس القصور وبدرها وإلى خزاماها وبهجة زهرها

وردية الوجنات يختبر اسمها من ريقها لا ما يحيط بخبرها

وقد كان لهذا الشاعر لهوه الشديد والذي تحدث عنه ابن أخيه (أبي وهب الحمصي) ووصفه بقوله:

“كان عمي خليعاً ماجناً عاكفاً على القصـ.ـف واللهو، متلافاً لما ورث عن آبائه

وكان له ابن عم يكّنى أبا الطيب، يعظه وينهاه عما يفعله، ويحول بينه وبين ما يؤثره من لذائذ حتى هجاه ديك الجن فعدل عن عذله.”

وحصل مع زواجه ما لم يكن متوقعاً ولا يخطر على بال! ففي أحد الأيام ذهب إلى (السلمية) طالباً مساعدةً من (أحمد بن علي الهاشمي)، فأقام عنده لوقتٍ طويل.
وخلال هذا الوقت أذاع ابن عمه (أبو الطيب) خبراً صـ.ـادماً! وهو خيـ.ـانة امرأة ديك الجن لزوجها! فعاد عبد السلام أدراجه إلى حمص ليتأكد من الخبر.

وكانت هنا المكيد حيث أرسل ابن عمه (من أشاع خبر خيـ.ـانة زوجته) أحد غلمانه ليدّس الرجل الذي رماه بها

وقال له بأن ينتظر عبد السلام حتى يدخل إلى منزله فيقف على بابه وكأنه لا يعلم بقدومه وينادي باسم ورد، وإن سأله عن اسمه فيقول فلان!

وهكذا عاد عبد السلام إلى منزله بالفعل وسأل زوجته عما سمع فأنكرت وأجابت بأنها لا تعرف شيئاً عن ذلك.

وبينما كانا يتحادثان قدم الرجل وطرق الباب وفعل ما أُمر به فما كان من عبد السلام إلا أن شتم زوجته

وقال لها؛ يا زانية، زعمت أنك لا تعرفين من هذا الأمر شيئًا.

واستلّ سيفه ليضـ.ـربها به ويقتـ.ـلها ومن ثم يحـ.ـرق جثتها!!

وبلغ الأمير في دمشق الخبر، فطلبه، فخرج ديك الجن إليه، وأقام بها أيامًا، وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق أن يؤمنه وتحمّل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته.

فقدم إلى حمص وبلغه الخبر على حقيقته واستيقنه فندم على ذلك، ومكث شهرًا لا يستفيق من البكاء ولا يطعم من الطعام إلا ما يسدّ رمقه، وكتب يصف حالته شعرًا

وتقول بعض الروايات بأن الشاعر عبد السلام قد صنع من رماد جثة محبوبته كوزاً بقي يشرب منه طوال حياته.

وبمناسبة هذه الحادثة يقول د. شوقي ضيف: “ليس من شك أن أروع أشعار (ديك الجن) ما نظمه في بكاء صاحبته متحسراً نادماً كما لم يندم أحد”.

ديوان ديك الجن

بالرغم من كونه من أشهر شعراء حمص إلا أن ديوانه بقي مطوياً ومتناثراً في أعماق الكتب التراثية.

ولكن مجموعة من العلماء في عصرنا الحالي قرروا جمعه ليكون باسم ديوان ديك الجن الحمصي.

وطُبع في مدينة حمص عام 1960 م وكان من نشراه هما الأستاذان (عبد المعين الملوحي) و(محي الدين درويش)، وطُبع من جديد في دمشق عام 1984م.

أما الديوان الذي طُبع في بيروت عام 1964 م باسم ديوان ديك الجن فكان ذو مجهودٍ رائع، اعتمدا على مخطوطة للشيخ (محمد السماوي) 1950م.

وكان قد جمع بها الاشعار وسماها بــ ( الملتقط من شعر عبد السلام بن رغبان_ ديك الجن)، وأكملا ما نقص من عدة مصادر مختلفة استطاعا العثور عليها.

ونُشر بعده ديوان ديك الجن الحمصي من قبل الأستاذ في دمشق عام 1987م، ليكون ضمن سلسلة إحياء التراث التي تصدرها وزارة الثقافة السورية.

جميع الأمهات تحلم بجعل طفلها قوي الشخصية .. إليك بعض النصائح التي ستساعدك في تحقيق حلمك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى