رجال

عاش قصة حب غير متكافئة مع حبيبته الإسرائيلية وكتب أكثر من 30 ديوان .. حكاية الشاعر الفلسطيني محمود درويش

عاش قصة حب غير متكافئة مع حبيبته الإسرائيلية وكتب أكثر من 30 ديوان .. حكاية الشاعر الفلسطيني محمود درويش

ايفا بوست – فريق التحرير

محمود درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن.

ويعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه، واشتهر بكونه أحد أدباء المقـ.ـاومة، وحملت الكثير من قصائده القضـ.ـية الفلسطينية فلُّقِب بشاعر الجـ.ـرح الفلسطيني.

وُلِدَ عام 1941 بقرية البروة ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاد إلى فلسطين بعدها بسنتين متخفيًا ليجد أن قريته قد دُمِـ.ـرت.

الشاعر الفلسطيني محمود درويش

فعاش في قرية الجديدة ثم انتقل في شبابه إلى موسكو للدراسة، وذهب ليعيش في القاهرة ومنها إلى بيروت ثم تونس وباريس، قبل أن يعود ليعيش أواخر حياته في مدينة عمان الأردنية ورام الله الفلسطينية.

لمحمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه بشاعر فلسطين وفي الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره.

ساهم محمود درويش في تطوير الشعر العربي الحديث واكتسابه للرمزية أكثر، وهنا سنحاول أن نركز أكثر على حياته نفسها أكثر من شعره لنعرف معًا ما ساهم في تشكيل هذه العقلية العبقرية.

بدايات الشاعر محمود درويش

وُلِدَ محمود درويش في 13 آذار/ مارس عام 1941 – قبل الاحتـ.ـلال بسبعة أعوام – في قرية البروة الفلسطينية التي تقع على جبل الجليل قرب ساحل عكا لأسرةٍ كبيرة من خمسة أبناء وثلاث بنات.

أتم محمود درويش تعليمه الابتدائي في قرية دير الأسد بالجليل قبل أن يفر مع أسرته ضمن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين هـ.ـربوا من البلاد – أو طُرِدوا منها عام 1947 إلى جنوب لبنان.

لكن عاد بعد ذلك بعامين مع أسرته إلى البلاد متسللًا عن طريق دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية للجليل ليجد أن قريته قد دُمِـ.ـرت تمامًا.

وحاليًا يقوم مكانها اليوم قرية موشاف أو أحيهود الإسرائيلية – فانتقل مع أسرته إلى قرية دير الأسد كلاجئين؛ عانى اللاجئون لقرية دير الأسد في الحصول على بطاقات إقامة حيث إنهم كانوا “غير شرعيين” وكانوا بالنسبة للقانون الإسرائيلي حاضرون بأجسادهم غائبون بهوياتهم.

انتقلت عائلته إلى قرية أخرى اسمها الجديدة وامتلكت فيها بيتاً، لكن محمود عاش في حيفا لمدة عشر سنوات وانهى فيها دراسته الثانوية.

بعد الثانوية انضم للحزب الشيـ.ـوعي الإسرائيلي وعمل في صحافته محررًا ومترجمًا في صحيفة الاتحاد ومجلة الجديد التابعتين للحزب نفسه، وترقى بعد ذلك لرئيس تحرير المجلة، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر.

اعتقـ.ـلته قوات الاحتـ.ـلال الصهيوني مراتٍ عديدة بتهـ.ـمة القيام بنشاطٍ معـ.ـادٍ لدولة إسرائيل لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ فاعتـ.ـقلوه خمس مرات أولها عام 1961 ثم 65 و66 و67 و69، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.

كانت تلك الفترة شديدة الصـ.ـعوبة على الفلسطينيين عامةً وعلى محمود خاصةً، ويحكي عنها واصفًا إياها: ” كنت ممـ.ـنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات.

كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة.

كان ممنوعًا عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا، ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنـ.ـوعًا من مغادرة منزلي.

وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي، وكنت أعتـ.ـقل في كل سنة وأدخل السـ.ـجن من دون محاكمة، ثم اضطررت إلى الخروج”.

محمود درويش في موسكو

حاول محمود درويش السفر إلى باريس عام 1968 لكن رفضـ.ـت السلطات الفرنسية دخوله الأراضي الفرنسية لأن هويته غير محددة لجنسيته، فأعادته السلطات إلى الأراضي المحـ.ـتلة.

خرج بعدها عام 1970 متوجهًا إلى موسكو – عاصمة الاتحاد السوفيتي وقتها – للدراسة وكانت هذه أول غربةٍ له بعيدًا عن الوطن.

كان طالبًا في معهد العلوم الاجتماعية يسكن في غرفة في مبنى جامعي؛ أقام في موسكو سنة واحدة.

وتعلم القليل من الروسية كي يستطيع الاندماج في البيئة هناك لكن اصـ.ـطدم بمشـ.ـكلات الروس يوميًا حتى فقد ثقته بالشيـ.ـوعية.

وسقـ.ـطت موسكو من نظره من مدينة “الفردوس” – كما صورها الإعلام – ليراها على حقيقتها مدينة عادية يعاني أهلها من الحرمان والفقر ويعيشون في خوف!

محمود درويش في القاهرة (1972-1971)

لم يتحمل محمود درويش الحياة في موسكو فقرر الذهاب للقاهرة وهناك اتخذ قرارًا صـ.ـعبًا بعدم العودة لفلسطين.

أحب العيش في القاهرة رغم بعده عن الوطن فهي على الأقل مدينة عربية بأسماء شوارع عربية وأناسٍ يتحدثون بالعربية، كما وجد نفسه بين الأدب المصري الخالص.

وعن هذا يقول: “وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها، فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبًا والأدب المصري.

التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما.

والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما”.

عينه محمد حسنين هيكل في نادي كُتّاب الأهرام مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن في مكتب واحد، وبجانب توفيق الحكيم في مكتبٍ منفرد، فنشأت بينه وبينهم صداقة قوية.

كانت القاهرة من أهم محطات حياته في تجربته الشعرية حيث صادق الشعراء الذين كان يحبهم وتربى على شعرهم أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل والأبنودي.

محمود درويش في بيروت: (1982-1973)

انتقل بعد ذلك لبيروت لتصبح ورشة أفكاره ومختبر تياراته الأدبية والفكرية والسياسية، ولسوء الحظ اندلـ.ـعت الحـ.ـرب الأهلية في لبنان بعد فترةٍ من انتقاله، ومات بعض أصدقاؤه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسي لشعر الرثاء والأوطان.

بعد أن هدأت أوزار الحـ.ـرب بقي في لبنان ولم يخرج منها كما خرج آخرون حتى احتـ.ـلت إسرائيل لبنان – على خلاف ما توقع – فقضى أيامًا صعبة جدًا لا يعرف فيها أين ينام فكان ينام في مطعم حتى لا يقبـ.ـض الإسرائيليون عليه.

حتى حدثت المـ.ـجـ.ـزرة الكبرى – مجـ.ـزرة صبرا وشاتيلا – فأيقن أن وقت الهـ.ـرب مرةً أخرى قد حان.

رتب الهـ.ـرب عن طريق السفير الليبي في بيروت إلى الأشرفية ومنها إلى سورية ومنها إلى تونس ثم إلى باريس ليقضي هناك حوالي 10 سنوات على فترات متقطعة في الثمانينيات.

عمل هناك في منظمة التحرير الفلسطينية واستقال من اللجنة التنفيذية لها احتجاجًا على اتفاق أوسلو.

ثم في عام 1981 أسس مجلة الكرمل التي عمل على تحـ.ـريرها وأكمل إصدارها حتى بعد سفره من لبنان، واستمر في ذلك حتى وفاته، وصدر منها 89 عددًا وخصصوا العدد التسعين لسيرته الذاتية بعد وفاته.

محمود درويش في تونس وباريس (1994-1983)

غادر محمود درويش لبنان إلى دمشق في سوريا كمرحلة مؤقتة في الطريق إلى تونس، ومنها ذهب إلى باريس ليعيش فيها عشر سنوات لكن على فترات متقطعة وليست متصلة حيث كان يسافر باستمرار.

وهناك كانت ولادته الشعرية الحقيقية على حد قوله لجمالها الذي أتاح له فرصة للتأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة.

بعد ذلك في التسعينيات أصبحت العودة لرام الله متاحةً، فقرر العودة إليها لأنه لن يكون مرتاحًا في منفاه بأي شكل فاختار العودة إلى عمان لأنها قريبة من فلسطين ولأنها مدينة هادئة وشعبها طيب.

العودة وعمان ورام الله (2008-1995)

ذهب إلى عمان الأردنية عام 1995 ولم تختلف حياته فيها كثيرًا عن حياته في القاهرة وبيروت وباريس.

وكان أبرز ما يميزها أنها كانت للعمل الجاد وخير دليل على ذلك أنه صدر له دواوين شعرية كثيرة في تلك الفترة.

شاعر المقاومة وحبيبته الإسرائيلية “ريتا” بطلة قصائد محمود درويش؟

لم تكن المفاجأة لجمهور الشاعر الفلسطيني محمود درويش أن ريتا بطلة قصائده شخصية حقيقية، وإنما في أن تلك التي أحبَّها وكتب فيها “ريتا والبـ.ـندقية” و “شتاء ريتا الطويل” فتاةٌ إسرائيلية!

كانت المرة الأولى التي يكتشف فيها محبُّوه حقيقة ريتا حين عرضت المخرجة الفلسطينية ابتسام المراعنة في فيلمها التسجيلي “سجّل أنا عربي” القصة، بعدما كان درويش نفى مراراً أن ريتا حقيقية، مُصرّاً على أنها مجرد شخصية فنية رسمها في خياله.

وُلدت ريتا، واسمها الحقيقي تامار باهي، في حيفا عام 1943، وعملت أستاذة للأدب بجامعة تل أبيب.

التقت المراعنة مع ريتا في برلين، وروت قصة تعرُّفها على درويش، كان اللقاء الأول وهو بالسادسة عشرة من عمره، في حفلٍ جمعهما مصادفة.

قصة حب غير متكافئة

هناك عرف درويش حبيبته، وبدأت قصة الحب التي خلَّدها في أشعاره، وعرض الفيلم بعضاً من خطابات درويش التي كتبها لريتا باللغة العبرية التي كان يجيدها، والتي كانت تحمل مشاعر مختلطة بين الرغبة في اللقاء والمـ.ـنع بسبب الاحتلال.

خطَّ لها في إحدى رسائله، قائلاً: “أردت أن أسافر إليك فى القدس، حتى أطمئن وأهدّئ من روعك.

توجهت بطلب إلى الحاكم العسكري بعد ظهر يوم الأربعاء، لكي أحصل على تصريح لدخول القدس، لكن طلبي رُفـ.ـض.

لطالما حلمت بأن أشرب معكِ الشاي في المساء، أي أن نتشارك السعادة والغبطة، صدِّقيني -يا عزيزتي- أن ذلك يجيش عواطفي حتى لو كنتِ بعيدة عني، لا لأن حبّي لك أقل من حبك لي، ولكن لأنني أحبك أكثر”.

انتهت قصة الحب بين ريتا ومحمود بحلول يونيو/حزيران 1967، أنهت “نكسة حزيران” الحكاية وأيقظت لديهما هويتهما لينحاز كل منهما إليها.

اختارت ريتا الانضمام إلى سلاح الطيران الإسرائيلي، واختار درويش الوقوف إلى حكاية شعبه، وكتب ليرثي حبه في قصيدته الشهيرة التي غناها الفنان اللبناني مارسيل خليفة ريتا والبـ.ـندقية.

وظل جمهوره يتساءل عنها في كل أمسية شعرية دون أن يعرفوا شخصيتها الحقيقية، لكنهم ربما استنبطوا معنى البـ.ـندقية التي فرَّقتهما.

دخل درويش في علاقات عاطفية تبعت “ريتا”، وتزوج مرتين لكن لم يُكتب لهما النجاح، فكتب في وصف نفسه بقصيدة “سيئ الحظ”: “أنا العاشق السيئ الحظ، لا أستطيع الذهاب إليك، ولا أستطيع الرجوع إليّ”.

شعره محمود درويش وأعماله

بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت فبضة الاحتـ.ـلال.

واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصه الشعري مباشرًا.

حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية.

ورويدًا رويدًا تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.

ثم المرحلة الثالثة والأخيرة عندما بدأ في الدخول في مرحلة الوعي الممكن والحلم الإنساني – خاصة في باريس – بعدما فقد الأمل في القومية العربية بعد الخروج من لبنان والحـ.ـرب الأهلية هناك فساعده ذلك على الانفصال تدريجيًا عن خطابه الأيدولوجي المباشر.

حصد محمود درويش بشعره الكثير والكثير من الجوائز مثل جائزة البحر المتوسط 1980 ودرع الثورة الفلسطينية 1981 ولوحة أوروبا للشعر 1981 وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.

حياة الشاعر محمود درويش الشخصية

تزوج من الكاتبة رنا قباني ولكنهما تطلقا؛ لاحقًا في منتصف الثمانينيات تزوج من حياة هيني وهي مترجمة مصرية، ولم يرزق بأي أطفال من كلا الزواجين.

أما من حيث ديانة محمود درويش ومعتقداته وطائفته الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلمة، وكان يعـ.ـاني من أمراض القلب وخضع لعمليتين جـ.ـراحيتين في القلب في الثمانينيات.

وحصل على جائزة لينين للسلام من الاتحاد الروسي عام 1983.

وفاة محمود درويش

ذهب محمود درويش إلى مدينة هيوستن إلى مركز تكساس الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية القلب المفتوحة.

فدخل بعدها في غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما كان قد أوصّاهم ليتوفى يوم السبت التاسع من آب/ أغسطس عام 2008.

وليعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد ثلاثة أيام حزنًا على “شاعر فلسطين”.

عاد جثمانه إلى الوطن – رام الله – في 13 آب/ أغسطس، ودُفن في قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون “قصر محمود درويش للثقافة”.

عشرة خطوات لتنشئة طفل ذكي .. تعرف عليها 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى